الأربعاء، 31 أكتوبر 2012




 بائعة الورد . أضيف بواسطة : جابرييل قارسيا ماركيز . بتاريخ: 



تحسست مينا طريقها في عتمة الفجر, و لبست ثوبها القصير الأكمام الذي كانت قد علقته في الليلة الماضية قرب الفراش, و جعلت تفتش في الصندوق الكبير عن الكمين المنفصلين الذين يكسوان الذراعين امتثالاً للواجب قبل الذهاب إلى الكنيسة ... ثم بحثت عنهما فوق المسامير المعلقة على الحائط و خلف الأبواب, حريصة في كل ذلك ألا تحدث أقل جلبة لكيلا توقظ جدتهما العمياء, التي كانت نائمة في نفس الغرفة ... و لكن ما أن اعتادت عيناها العتمة, حتى لاحظت أن جدتها قد نهضت من الفراش, فذهبت إليها في المطبخ لكي تسألها عن الكمين .. فقالت الجدة العمياء :
- هما في الحمام .. إنني غسلتهما أمس بعض الظهر ..

و فعلاً وجدتهما في المطبخ, معلقين من سلك ممدود بمشبكين .. و لكنهما كانا لا يزالان مبتلين .. فعادت مينا بهما إلى المطبخ و بسطتهما فوق أحجار الموقد .. و كانت الجدة العمياء تقلب القهوة و قد سمرت حدقتي عينيها الجامدتين على جدار الشرفة التي رصت فيها أصص الزهور مليئة بأعشاب طيبة ..

قالت لها مينا : لا تأخذي أشيائي مرة ثانية .. لا يمكنك هذه الأيام أن تتأكدي من طلوع الشمس ..
حركت المرأة العمياء وجهها نحو الصوت و قالت :
- إنني نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول من أسبوع الفصح, موعد القداس ..
و بعد أن تأكدت الجدة بنفس قوي من فمها أن القهوة نضجت, رفعت الإناء عن الموقد, ثم قالت :
- ضعي قطعة من الورق تحت الكمين, لأن أحجار الموقد متسخة .
أجرت مينا أصابعها على أحجار الموقد .. فوجدها متسخة فعلاً, و لكن بطبقة من السناج المتحجر الذي لا يمكن أن يلوث الكمين إذا لم يحتكا بالأحجار .. على أنها قالت لجدتها :
- إذا اتسختا فستكونين أنت المسؤولة !..
و ما لبثت الجدة العمياء أن صبت لنفسها قدحاً من القهوة, و قالت و هي تجذب مقعداً شطر الشرفة :
- أنت غاضبة .. و من المحرم أن يذهب الانسان للقداس و هو غاضب ...

و جلست لشرب القهوة عن كثب من الزهور في الحوش .. و عندما انبعث رنين دقات الناقوس الأولى إيذاناً بموعد القداس رفعت مينا الكمين عن الموقد, فكانا لا يزالان مبتلين .. بيد أنها لبستهما .. فإن القس لا يرضى دخول أحد إلى الكنيسة بثوب عاري الذراعين .. ثم مسحت آثار الأحمر من وجهها بمنشفة, و أخذت كتاب الصلاة و الشال من غرفتها, و خرجت للشارع ...

و بعد ربع ساعة عادت أدراجها ...
فقالت الجدة العمياء و هي جالسة في مواجهة الزهور في الحوش :
- سوف تصلين إلى هناك بعد القراءة الأولى ..
أما مينا فقالت و هي تتجه إلى دورة المياه :
- لن أتمكن من الذهاب إلى القداس اليوم .. الأكمام مبتلة, و الثوب كله " مكركش " ..
و على الأثر شعرت بعينين فاهمتين تتبعانها ..
و ما لبثت العجوز أن هتفت : يوم الجمعة الأول و لا تذهبين للقداس !..

و لما عادت مينا من دورة المياه صبت لنفسها قدحاً من القهوة و جلست في المدخل المطلي بالمصيص الأبيض عن قرب من العجوز العمياء .. بيد أنها لم تستطع أن تشرب القهوة .. و غمغمت في سخط كامن و هي تشعر بأنها توشك على الغرق في دموعها الحبيسة :
- أنت السبب !..
فهتفت العجوز العمياء : أنت تبكين !..
و أضافت و هي تمر قرب جدتها بعد أن وضعت قدح القهوة على الأرضية : يجب أن تذهبي للاعتراف لأنك جعلتني أضيع قداس يوم الجمعة الأول !..

أما الجدة العجوز فقد لزمت مكانها جامدة تنتظر أن تغلق باب غرفة النوم .. و ما لبثت أن اتجهت إلى آخر الشرفة ثم انحنت تتحسس حتى عثرت على قدح القهوة على الأرض غير مشروب .. فقالت و هي تسكب القهوة في الإناء الخزفي :
- الله يعلم أن ضميري مستريح ..
و في هذه اللحظة خرجت أم مينا من غرفة النوم, و قالت للعجوز :
- مع من تتكلمين ؟..
فأجابت : مع نفسي !.. قلت لك قبل الآن انني في طريقي إلى الجنون !..

و عندما احتجبت مينا في غرفتها فكت أزرار " المشد " و أخرجت ثلاثة مفاتيح صغيرة معلقة في مشبك .. ففتحت بأحدها الدرج السفلي في " التواليت " و أجرت منه علبة متوسطة فتحتها بمفتاح آخر .. و من داخلها أخرجت مجموعة خطابات مكتوبة على ورق ملون و مربوطة بحزام من المطاط .. فأخفت الخطابات داخل مشدها ثم أعادت العلبة إلى مكانها و أغلقت الدرج .. و أخيراً ذهبت إلى دورة المياه و ألقت بالرسائل في المرحاض ..


و لما رجعت مينا إلى المطبخ قالت لها أمها :
- حسبتك في الكنيسة ..
فتولت الجدة العمياء الرد قائلة : لم تتمكن من الذهاب .. أنا نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول, و غسلت الأكمام بعد ظهر أمس ..
فغمغمت مينا : انها لا تزال مبتلة ..
فقالت العجوز العمياء : انني أقوم بأعمال كثيرة هذه الأيام ..
و قالت مينا : و أنا مطالبة بتسليم مائة و خمسين " دستة " ورد لمناسبة عيد الفصح ..

و لم تلبث حرارة الشمس أن تزايدت مبكراً .. و قبل الساعة السابعة كانت مينا قد أعدت " مشغل الورد الصناعي " في غرفة المعيشة : سلة مليئة بأوراق الورد, و لفافة سلك, و علبة من ورق الكريب, و مقصان, و بكرة خيط, و إناء به غراء.. و بعد برهة جاءت ترينيداد التلميذة المترهبة في الكنيسة تحمل علبة كرتون تحت إبطها, و سألتها على الفور لم لمْ تذهب لحضور القداس .. فأجابت مينا :
- لم تكن الأكمام جاهزة ..
فقالت ترينيداد : كان يمكن استعارة كمين من أي أحد ..
و جذبت كرسياً و جلست قرب سلة أوراق الورد .. فقالت مينا :
- وجدتني متأخرة كثيراً ..
و فرغت من صنع وردة .. فوضعت ترينيداد علبة الكرتون على الأرض و اشتركت في العمل .. فنظرت مينا إلى العلبة قائلة :
- هل اشتريتِ حذاءً جديداً ؟
فأجابت ترينيداد : هي فئران ميتة ..

و لما كانت ترينيداد ماهرة في تركيب أوراق الورد, فقد تفرغت مينا لعمل سيقان من السلك مغلفة بورق أخضر .. و ظلت كلتاهما تعمل في صمت دون أن تلاحظا تقدم الشمس في غرفة المعيشة, التي كانت مزخرفة بصور تزينية و عائلية .. و عندما تفرغت مينا من صنع السيقان تحولت إلى ترينيداد بنظرة تفيض أسى, فكفت هذه عن العمل و قالت لها :
- ماذا جرى ؟
فمالت مينا نحوها و قالت : إنه رحل !..
فألقت ترينيداد المقص في حجرها قائلة : لا ... لا تقولي هذا !؟؟
فكررت مينا كلماتها قائلة : إنه رحل !..
فحدقت ترينيداد فيها طويلاً, و قالت مقطبة : و الآن ؟..
فأجابت مينا بصوت ثابت : الآن لا شيء ..

و قبيل الساعة العاشرة تأهبت ترينيداد للانصراف, فاستمهلتها مينا لكي تلقي الفئران في المرحاض, و في طريقها مرت بالعجوز العمياء التي كانت تستقي الزهور في الأصص, فقالت لها مينا :
- أراهن أنك لن تعرفي ما بداخل هذه العلبة ..
و هزت العلبة بالفئران ... فأرهفت العجوز حواسها, قائلة :
- هزيها مرة ثانية ...
فكررت مينا العملية, بيد أن العجوز لم تستطع أن تتعرف على ما بداخل العلبة رغم هزها مرة ثالثة, فقالت مينا :
- هي الفئران التي وقعت في المصيدة في الكنيسة الليلة الفائتة .

و عندما عادت أدراجها مرت بجانب الجدة العمياء دون أن تكلمها .. بيد أن العجوز تبعتها إلى غرفة المعيشة لكي تستكمل مينا عملية الورد الصناعي, و قالت لها :
- يا مينا .. إذا أردت أن تكوني سعيدة, فلا تعترفي بشيء لشخص غريب عنك ..
تطلعت إليها مينا دون أن تتكلم .. فجلست الجدة العجوز في المقعد المواجه لها محاولة أن تساعدها في العمل . بيد أن مينا استوقفتها ..
فقالت الجدة العمياء : أنت عصبية .. لماذا لم تذهبي إلى القداس ؟..
- أنت تعرفين السبب أكثر من غيرك ..
فقالت العجوز العمياء : لو كان السبب الأكمام, لما فكرت في الخروج من البيت .. هناك شخص كان ينتظرك في الطريق, و هو الذي سبب لك الشعور بخيبة الأمل ..

مرت مينا بيديها أمام عيني جدتها, كأنما تمسح لوحاً غير مرئي من الزجاج, و قالت :
- أنت ساحرة !..
فقالت المرأة العمياء : إنك ذهبت إلى دورة المياه مرتين هذا الصباح .. و أنت لا تذهبين دائماً أكثر من مرة ..

استمرت مينا في استكمال الورد الصناعي, بينما عادت العجوز تقول :
- هل تجسرين على أن تريني ما تخفينه في درج "التواليت" ؟..
فتركت مينا الوردة التي بيدها متمهلة و أخرجت المفاتيح الثلاثة الصغيرة من مشدها و وضعتها في يد العجوز قائلة :
- اذهبي و انظري بعينيك ...
فجعلت العجوز تفحص المفاتيح بأناملها, و قالت :
- إن عيني لا يمكنها الرؤية في قاع المرحاض !..
رفعت مينا رأسها, و عندئذ اعتراها إحساس مختلف .. فقد شعرت أن الجدة العمياء عرفت انها تتطلع إليها .. و لهذا قالت لها :
- انزلي في المرحاض إذا كان ما افعله يهمك إلى هذه الدرجة !..
تجاهلت الجدة العجوز هذا الرد اللاذع, و قالت :
- أنت دائماً تجلسين في الفراش و تكتبين حتى الصباح المبكر ..
فقالت مينا : أنت نفسك تطفئين النور قبل النوم ..
فعاجلتها العمياء قائلة : و في الحال تنيرين أنت بطاريتك .. و بإمكاني أن أعرف أنك تكتبين, من صوت انفاسك ..

بذلت مينا جهداً للاحتفاظ بهدوئها, و قالت دون أن ترفع رأسها :
- جميل .. و لنفرض أن هذا هو ما يحدث, فما هو الغريب في ذلك ؟..
فردت العجوز قائلة : لا شيء .. إلا أن هذا أضاع منك حضور قداس يوم الجمعة الأول ..

و عند هذا الحد حملت مينا بكلتي يديها بكرة الخيط و المقصين و كومة من الورود التي لم تتم, و ألقت بها جميعاً في السلة, ثم واجهت الجدة العمياء قائلة :
- هل تحبين أن أقول لك مالذي ذهبت لكي أفعله في المرحاض ؟
و ظلت الإثنتان متحفزتين إلى أن تولت مينا الرد بنفسها, قائلة :
- ذهبت لكي آتي ببعض المخلفات !..
و عندئذ طوحت الجدة العمياء بالمفاتيح الصغيرة في السلة, و غمغمت قائلة و هي تتجه إلى المطبخ :
- كان يمكن أن يكون سبباً لا بأس به, و كان يمكن أن تقنعيني لولا أنها المرة الأولى في حياتك التي سمعتك فيها تشتمين !..
و في هذه اللحظة كانت أم مينا آتية في الممشى من الناحية المقابلة محتضنة كومة من الورود الشائكة , و قالت :
- ماذا جرى ؟..
فتولت الجدة العمياء الرد قائلة :
- إنني جننت .. لكن الظاهر أنكم لا تفكرون في إرسالي إلى مستشفى المجانين طالما لا أرمي أحداً بالحجارة !..






سرد - قصص و روايات

عنوان الدرس: ثمن عشرين قتيلاً . اضيف بواسطة : جابرييل غارسيا ماركيز . بتاريخ: 2005-02-06.


بزغ يوم الاثنين دافئاً و بلا مطر .. و كالطير فتح " أوريليو اسكوفار " طبيب الأسنان غير المؤهل و المبكر في يقظته , عيادته في الساعة السادسة .. ثم أخرج بعض أسنان صناعية مازالت مركبة في قالب المصيص من الدولاب الزجاجي, و وضع على المنضدة مجموعة أدوات رتبها حسب الحجم .. كما لو كانت للعرض .. و كان يلبس قميصاً مخططاً بلا ياقة, أقفل حول الرقبة بمشبك ذهبي, و بنطلوناً معلقاً بحمالة .. و كان مستقيم العود نحيل الجسم, لا تبدو عليه مسحة المهنة , و كانت هيأته أقرب إلى هيئة رجل أصم ..

و لما فرغ من ترتيب الأدوات فوق المنضدة جذب المثقب إلى قرب كرسي الأسنان و جلس لصقل الأسنان الصناعية .. لقد بدا أنه لا يفكر في العملية التي يقوم بها, بيد أنه راح يواصل العمل و هو ينفخ كور الثقب بقدميه, حتى و هو لا يحتاج إلى ذلك .

و عندما بلغت الساعة الثامنة توقف برهة لكي ينظر من النافذة إلى السماء, فرأى طائرين من الجوارح يجففان نفسيهما في الشمس على إفريز سطح البيت المجاور .. و ما لبث أن استأنف عمله متوقعاً أن يعود المطر إلى الانهمار قبل موعد الغداء .. إلى أن قطع عليه تركيزه صوت ابنه الحاد البالغ من العمر احدى عشرة سنة يناديه .. و لدى سؤاله قال له :
- العمدة يريد أن يعرف إذا كان يمكن أن تخلع سنه ..
- قل له انني غير موجود
و أخذ يصقل سناً مذهبة .. ثم امسك بها على قيد ذراع و فحصها بعينين نصف مقفلتين .. و عندئذ انبعث صوت ابنه صائحاً من غرفة الانتظار الصغيرة :
- العمدة يقول أنك موجود, لأنه يسمع صوتك!..

استمر الطبيب يفحص السن .. و لم يرد إلا بعد أن وضعها فوق المنضدة بجانب ما تمَّ إنجازه من الأسنان, إذ قال :
- الأحسن أن يسمع ..
و أدار الثقب من جديد .. ثم أخرج عدة قطع من " كوبري " من خزانة بها الأشياء التي عليه أن يتمها, و أخذ يصقل الذهب .. و لكن ابنه ناداه مرة أخرى .. فسأله ماذا يريد دون أن تتغير ملامح وجهه, فقال الصبي :
- قال العمدة إنك إذا لم تخلع له السن, فسوف يضربك بالرصاص !..
و بدون ما أدنى تعجل, و بحركة جد هادئة, توقف عن تحريك الثقب, و دفعه على الكرسي, ثم جذب الدرج الأسفل للمنضدة عن آخره, فإذا به مسدس .. و قال لإبنه :
- حسن .. قل له أن يدخل و يقتلني ..

و دحرج الكرسي في مواجهة الباب .. و ظهر العمدة في المدخل و قد بدا خده الأيسر حليقاً, أما الخد الثاني فكان مورماً موجعاً, نبتت فيه لحية عمرها خمسة أيام, فقد شهد العمدة ليالي كثيرة من العذاب و المعاناة بدت آثارها في عينيه المتبلدتين ..

أغلق الطبيب الدرج بأنامله, و قال بليونة : اجلس ..
فقال العمدة : صباح الخير ..
فرد الطبيب بنصف السلام

و بينما كانت أدوات الخلع تغلي, مال العمدة برأسه على المسند حتى شعر بتحسن .. و كانت العيادة متواضعة : بها كرسي خشبي عتيق, و المثقب, و دولاب زجاجي به قناني خزفية .. و أمام النافذة ستار لا يعلو عن ارتفاع الكتف .. و عندما شعر العمدة باقتراب الطبيب, شد على عقبيه و فتح فمه ..

و ما لبث " أوريليو اسكوفار " أن أدار رأس العمدة إلى ناحية الضوء .. و بعد أن فحص السن المصابة أقفل فك العمدة بضغطة محاذرة من أصابعه .. و قال :
- لابد من الخلع بغير مخدر ..
- و لماذا ؟ ..
- لوجود خراج ..
فنظر العمدة مواجهة, ثم قال : لا بأس ...
قالها محاولاً أن يبتسم فلم يرد الطبيب على الابتسامة .. بل جاء بإناء الأدوات المعقمة إلى المنضدة و أخرجها من الماء بملقط بارد ..

كلّ ذلك دون أن يتعجل في حركاته .. ثم دفع المبصقة بطرف حذائه و انتقل لغسل يديه في الحوض .. لقد فعل هذا كله دون أن ينظر على العمدة .. غير أن العمدة لم يرفع نظره عنه لحظة ..

كان المعطوب " ضرس العقل " السفلي .. و ما لبث الطبيب أن وسع قدميه و أمسك الضرس " بالجفت " الساخن .. فتشبث العمدة بذراعي الكرسي ة شد على قدميه بكل قوته و هو يشعر بخواء بادر في كليته, بيد أنه لم يحدث أي صوت .. و لم يكن يتحرك من الطبيب سوى معصمه .. و دون ما ضغينة, بل برفق تشوبه المرارة, قال للعمدة :
- الآن سوف تدفع ثمن قتلانا العشرين !..

شعر العمدة بقصف كقصف العظام في فكه, و امتلأت عيناه بالدموع .. بيد أنه لم يتنفس إلى أن شعر بخروج الضرس .. ثم رآه من خلال الدموع .. و قد بدا غريباً جداً عن الآلام التي كابدها إلى حد أنه عجز عن فهم هذا العذاب الذي تجرعه مدى الأيام الخمسة الفائتة ..

و بينما انحنى فوق المبصقة عارقاً لاهثاً, فك أزرار كسوته الرسمية و مد يده إلى جيب بنطلونه يلتمس منديله .. فأعطاه الطبيب قطعة قماش نظيفة قائلاً :
- امسح دموعك !..

فعل العمدة هذا .. كان يرتعد و بينما أخذ الطبيب يغسل يديه, كان هو يتطلع إلى السقف المتآكل الذي يتدلى منه عنكبوت و حشرات ميتة .. و ما لبث الطبيب أن عاد و هو يمسح يديه .. و قال له :
- اذهب إلى فراشك .. و " غرغر " بماء مالح ..

فقام العمدة, و سلم بتحية عسكرية فاترة, ثم اتجه إلى الباب باسطاً ساقيه, و دون أن يزرر سترته ..

و عند الباب قال : إبعث الفاتورة ..
- لك, أو لمكتب الحكومة ؟..

لم ينظر إليه العمدة, بل قال و هو يغلق الباب : هذا و ذاك سيان, لعنة الله !..

نسخة من الدرس من موقع سرد - قصص و روايات
POWERED BY: SaphpLesson3.0




الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

نماذج من قصائد الكسندر بوشكين

*****************
ليلي العربية :

تركتني ليلى 
مساء أمس دون اكتراث 
قلت : توقفي ، إلى أين ؟ 
فعارضتني : 
" رأسك أشيب " ( في بعض الترجمات : لقد شاب شعر رأسك ) 
قلت : للمتهمكة المتعالية
" لكل أوانه !
فالذي كان مسكا حالكا ،
صار الآن كافورا "
لكن ليلى سخرت
من الحديث الفاشل
وقال : " أنت تعلم :
أن المسك حلو لحديثي الزواج
أما الكافور فيلزم النعوش

السجين :

في زنزانتي الرطبة أقبع وراء القضبان
و النسر الفتي , ربيب ,الأسر
رفيقي الحزين , مرفرفاً , بجناحه
.ينهش وجبته الدامية عند النافذة

ينهشها و يلقي بها , و يتطلع من النافذة
.كما لو أنه يشاركني أفكاري
إنه ليدعوني بطرفه و صيحته
و يود أن ينطق : (هيا بنا ننطلق ...

نحن طيران حران , آن لنا أن نمضي
بعيداً حيث الجبال بيضاء وراء السحب
حيث البحر يتألق زرقةً
حيث لن يتجول غير إثنين: الريح و أنا

ومن سلسلة محكاة القران
حاكى سورة الضحى
فقال :
كن رجلاً شجاعاً واحتقر الغش والخداع
اتبع الحقيقة وبشر بها أحبب اليتامى وقرآني
وبشر بالأفكار الثمينة.
وسورة المزمل وجزء من سورة التوبة :
انهض أيها التقي في مغارتك.
فالسراج المنير،
يشع حتى الصباح بالصلاة الروحية.
أبعد أيها النبي/ الأفكار الحزينة والرؤى المخادعة
وصلِّ حتى الصباح/ واقرأ بخشوع الكتاب السماوي حتى الصباح.